تأسيس أول جريدة فلسطينية في غزة – من ذكريات الشاعر عبد الكريم السبعاوي

:يقول الأستاذ عبد الكريم السبعاوي
كان أحد الأخوين (أمين) مصطفى أو علي، يعني أنا لا أستطيع الآن أن أحدد من منهم – لأنه أنا ما كنتش كتير محتفي بوجودهم بغزة – قد ترأس اجتماعا بهيئة تحرير أول صحيفة فلسطينية تصدر بعد النكبة بالحجم الطبيعي للصحف وبوسائل الطباعة الحديثة، كل الطاقم الفني للمطبعة جاءنا من دار أخبار اليوم في مصر، سواء كان هدفهم تدريب أبناء القطاع على عمل ماكينات الطباعة الحديثة، المحررين الفلسطينيين تولى تدريبهم طاقم كبار محرري أخبار اليوم وعلى رأسهم الأستاذ أحمد زين نائب رئيس تحرير صحيفة أخبار اليوم، والمحررة الشهيرة الأستاذة: مريم روبين. كانت أخبار اليوم تعتمد على الطريقة الأمريكية في الصحافة وهي قائمة على الاثارة لرفع التوزيع وتنشيط الإعلانات دون أي اهتمام بالمبادئ والعقائد والمثل العليا.
تابع أحمد زين : الأولوية القصوى للإعلانات ثم للجرائم والحوادث ثم بعد ذلك للرياضة، وأوضح لنا في محاضرة قيمة أنه إذا عض كلب رجلا فهذا ليس خبر، الخبر أن يعض رجل كلبا، هذا الخبر يحتوي على الاثارة اللازمة لزيادة التوزيع وكسب مزيد من الإعلانات، التحليلات الدولية والمواضيع الأدبية، هذه لملئ الفراغات حين تشح الإعلانات، الوعظ مكانه المسجد، والتعليم مكانه الجامعة، والفن في المسرح. الصحافة وظيفتها تحقيق الربح بأي طريقة عشان ضمان الاستمرار، تُشترى وتوفر الرواتب لموظفيها
- الرواتب والمصاريف دي عايزه حزب أو دولة، فعيزنا ايه؟ نشحت! نجيب رواتبكم منين؟! اللي عايز يشغل الجريدة لازم يركز على الأخبار اللي بتجيب فلوس، عالفن والكورة والحوادث والجرايم والفضايح والصرعات زي تحضير الأرواح وحكايات الجن اللي بيسكنوا البيوت، ايه يا مريم؟! مين اللي عليك النهارده – من الجن يعني –
أغرق الجميع بالضحك سعداء، هتف أحد المحررين وقد نفد صبره: والقضية!؟
غمغم زهير الريس: ويل للشجيِ من الخلي.
قال أحمد زين: ما تتكلموا عربي عشان نفهم عليكم.
رد زهير: لا لا ما تخدش في بالك.
- تعلموا الدرس، بدون توزيع عالي، مفيش إعلانات ومن غير إعلانات مفيش رواتب.
انتهى الاجتماع، وانفض مراسلو الجريدة ومندوبو الأخبار وبارونات الإعلانات. أشار زهير الريس للباقين أن يتبعوه الى مكتبه، محمد آل رضوان مدير التحرير المرشح، موسى سابا مدير العلاقات المرشح، الياس عزام سكرتير التحرير المرشح.
حين دخلنا المكتب كان يجلس خلفه فتى وسيم، مشغول بالتأشير على بعض المقالات، استقبلنا بحرارة، كان زهير الريس لم يقدمه لنا. جلس الى مكتبه وأشار لنا بالجلوس.
- لماذا نسميها إذا أخبار فلسطين، فلنختر لها اسما آخر
- علق موسى سابا: يا حج، هدول التنين: علي أمين ومصطفى أمين، بيتقربوا من عبد الناصر بإظهار اهتمامهم بفلسطين والقومية العربية وحتى العدالة الاجتماعية، يعني بالك، مخيمات اللاجئين في غزة يعني ايش بدها تعمل دعاية لحصصها في التموين! الفسيخ المعفن والفاصوليا والحليب المجفف وعلب اللحمة والسردينه. ابشري بالغنايم يا ام المطهر.
- قال زهير بحزم: انسوا ما سمعتم، سنجعل صحيفة أخبار فلسطين خندقا لرص الصفوف وزرع الأمل وتصليب المواقف النضالية.
- قال البيك الرضوان مازحا: ورواتبنا يا حج؟ كيف بدك تدبرها؟
- رد عليه بحزم: ستقبضون رواتبكم مجدا أيها المناضلون الشرفاء.
تدارك بابتسامة عريضة: نسيت أن أقدم لكم ابن عمي ناهض الريس، تخرج حديثا من كلية الحقوق بالقاهرة وعين وكيل نيابة في غزة، وهو شاعر عظيم مثلك يا أستاذ عبد الكريم، وقد تطوع مؤقتا بالإشراف على الصفحة الأدبية في جريدتنا.
لم أتبين في لهجته أي سخرية، فابتسمت للضيف.
انتهى الاجتماع المصغر، ودعوت الضيف الوسيم ليشرب زجاجة سفن أب مثلجة على سور الجريدة، فقبل. جلسنا متقابلين وتحتنا كان شارع عمر المختار يموج بأضواء السيارات التي تعبر في الاتجاهين. قال ناهض:
- لا بد أنك بحاجة ماسة لسميع مثلي تناول زجاجة السفن أب من صبي البوفيه، أنا قبلت الرشوة، هات ما عندك.
- لا يا سيدي، الرشوة لكي أسمع أنا منك، انت الشاعر القادم حديثا من القاهرة قلب العروبة النابض ومدينة الشعر والفن.
لم يتردد، اسمع هذه القصيدة، أهديتها لزعماء جبهة التحرير الجزائرية الذين اختطفتهم فرنسا ووضعتهم في الزنازين.
استمعت مشغوفا، وصل الى قوله:
((أتشتاقون نسم البحر في مقهى على الميناء، وشاي المغرب الأخضر …….))
لم أتمالك نفسي، بكيت. فسكت حتى هدأت نفسي وأكمل، كانت تلك ليلة فاصلة بالنسبة لي كشاعر، لم أعد بعدها لكتابة القصيدة التقليدية، قصيدة الوزن والقافية وعمود الشعر الذي يتبناه الخليل بن أحمد. صار ناهض استاذي ومثلي الأعلى وأخذت منه موقع المريد من شيخ الطريقة.
:يقول في مخاطبة الزعماء المغاربة الخمسة
أتشتاقون نسم البحر في مقهاً على الميناء وشاي المغرب الأخضر
حنانك غزتي أوليس فيك البحر وأحباب لبن بله
فزفي من نسائمك اللطاف اليه في المنفى
رسائل قبل أن تمضي تمر هناك من حيفا
هنالك حيث صياد عجوز يسمع المذياع
ويرفع كفه نحو الجزائر ضارعا ملتاع
هبيني انت واسمك انت حرية شعاعا استضيئ به
لأن الشمس ما عادت لتكفيني
لأن الشمس تشرق فوق إسرائيل والشعب الشريد معا
لانك أنت لا تعطين من لا يستحقك ثم ملتمعا

من الشمال إلى اليمين الاستاذ زهير الريس رئيس التحرير ، الاستاذ موسى سابا مدير العلاقات العامة ، عبد الكريم السبعاوي محرر الصفحة الدولية ، الكاتب درويش عبد النبي ، الاستاذ محمد زكي ال رضوان مدير تحرير أخبار فلسطين ، الاستاذ سعد الدين الوليلي مدير الإدارة و على ما أظن الاستاذ أحمد الأغا محرر في الجريدة ، الواقفين عمال المطبعة.
الترميز التاريخي ودلالاته في قصيدة كورناليزيم للشاعر عبد الكريم السبعاوي بقلم الدكتور محمد بكر البوجي
تاريخ النشر : 2020-04-02. دنيا الوطن
تعد شخصية عبد الكريم السبعاوي الأدبية من الشخصيات المهمة جدا في الحركة الأدبية في فلسطين بل ومن الشخصيات التي استطاعت ان تضع نفسها على خريطة الرواية العربية من خلال رواياته الرائعة ، رباعية أرض كنعان ،العنقاء ، الغول ،الخل الوفي ، رابع المستحيل ، كذلك روايته البحث عن الترياق في بلاد واق الواق
.أيضا من أهم دواوينه الشعرية : ديرة عشق ، ونوديت باسمي ، زهرة الحبر السوداء ،إضافة إلى عشرات القصائد على صفحته الخاصة ، منها قصيدة ،كورناليزم ، نسبة إلى كورونا الفايروس السائد الآن الذي كشف ضعف الحضارة الغربية أمام هذا الفايروس الصغير ، وأمام روحانية الإنسان .
ترتكز القصيدة على أعمدة رئيسية في الترميز . بداية هو يتحدث عن الشاعر العربي الجاهلي الذي مات نتيجة تسمم عباءة ملوثة أهداها له قيصر الروم ، يرى أنها هي الحالة الأولى في العالم التي وصلتنا في حرب الجراثيم عندما تقرح جسد الشاعر العربي ثم مات وطلب أن يدفن على جبل عسيب وحدث ذلك ، جبل عسيب موجود في أنقرة و مازال قبر امرىء القيس موجود الآن على سفح هذا الجبل في أنقرة . أيضا يعد الرمز الثاني دائرة الطباشير التي أشار اليها و هي مسرحية لبريخت الكاتب الالماني الشهير التي يحث فيها الفقراء على الثورة ، عبد الكريم السبعاوي هنا يتحدث عن دائرة الطباشير الخاصة به الفقراء هم وقود الحرب ، وأيضا كبريت الثورة . الإمبريالية الأمريكية والأوروبية لوثت الحياة والهواء إذن لا بد من الفقراء الذين لا يجدون هواء طيبا يتنفسونه لا بد من الثورة كما يقول السبعاوي فالامبريالية الأمريكية والأوروبية أمام هذا الفايروس تضعف حالتهم ويبقى الفقراء بعيدين عن الحياة بل هم وقود التجارب المعملية الأوروبية ، لن يموت في هذه الحرب الجرثومية إلا الفقراء في كثير من دول العالم .
أيضا ترتكز القصيدة على العشاء الأخير ، معروف عندما اجتمع السيد المسيح مع تلاميذه وتناول العشاء، قبل تناول العشاء طرح معظم أفكاره و نصائحه لتلاميذه وبعد العشاء ألقى اليهود عليه القبض و صلبوه وقتلوه أو شبه لهم كما جاء في الأديان. هنا أيضا يتحدث في القصيدة عن قتل الملايين في أمريكا عندما ذهب الأوربيون إلى أرض أمريكا المكتشفة ورأوا أنها الأرض الموعودة لكن فيها سكان أصليين ، الهنود الحمر ، أرادو القضاء عليهم فقاموا بتسميم أغطية ، بطاطين ، وإهدائها لهم والمساكين الهنود الحمر لا يعرفون ما بها مما قضى على حوالي مليون منهم في أمريكا واستراليا وفي كثير من مناطق العالم ، نحن لسنا الهنود الحمر ، فلسطين ليست الهنود الحمر كما يرى نزار قباني وكما يرى السبعاوي في أن أرض فلسطين باقية وأن المحاصرين في فلسطين قادرون على أن يفعلوا شيئا حتى يثوروا في حصارهم ، فكما كان العشاء الأخير هو حدث أدى إلى سر القربان في التاريخ ، أيضا الحصار الغاشم الامبريالي الأمريكي الصهيوني على فلسطين أيضا هو سر القربان في هذا الكون .
عبد الكريم السبعاوي في هذه القصيدة أراد ان يرسل مجموعة من الرسائل أهمها : أن الحضارة الأوروبية هي حضارة فارغة إنسانيا ، رغم أنها ماديا هي من الطراز الأول ، يريد أن يقول بأنهم قتلة وان حضارتهم قائمة على دم الهنود الحمر، وأيضا قائمة في الكيان الصهيوني على الدم الفلسطيني وأن أمريكا وأوروبا هي التي ساعدت الكيان الصهيوني على تشريد الشعب الفلسطيني الذين هم من الفقراء الذين هم وقود الحروب والذين هم وقود الثورة وكبريتها أيضا .
القصيدة قائمة على الصراع الطبقي الذي خلفته لنا الأمبريالية ولهذا أطلق على القصيدة اسم ، كورناليزم ، قريبة من فعل الامبريالية في المجتمع يقول الشاعر : .. اسرجوا خيلكم واعبروا ليلكم لعل النهار يطل على الأرض ..
النهار غائب في فلسطين والعتمة طالت في فلسطين ، إنه يدعو ويحرض المحاصرين في فلسطين على الثورة لأن الامبريالية الغربية هي التي صنعت الكيان الصهيوني وهي التي لا زالت تساعده ، كما قتلت الهنود الحمر في أمريكا وأرسلت لهم أغطية أصيبوا بمرض الجدري . القصيدة في لغتها هي لغة بسيطة سهلة ليست مقعرة إطلاقا لكن لغة السهل الممتنع، لغة تحمل طاقة سلبية تمردية نحو قتلة البشر من أجل المال ، الرمز هنا يحمل طافة يعمق المفردات يعمق الجمل التي أراداها الشاعر في دلالاته حينما يحث المتلقي على التفكير ليصل آخر العتمة إلى نقطة الضوء، كما حدث في ثورات أخرى في العالم ، القصيدة هي مجموعة من الصور المتلاحقة تدعم رؤية الشاعر للعالم :
الآن البطاطين تكفي للجميع ..”الحواة يلهونكم بالألاعيب .. سأرسم دائرة بالطباشير .. يزرع الفقراء ولا ياكلون .. يعصر الفقراء ولا يشربون .. الفقراء لهم أذرع يبطشون .. أعدوا لنا المائدة وعليها العشاء الأخير .. وعليها المحاصرون .. اسرجوا خيلكم واعبروا ليلكم خلف أخر نقطة ضوء لعل النهار يطل على الأرض ..” مجموعة من الصور الراقية جدا التي تعبر كأننا أمام فيديو أو فيلم وثائقي نشاهده، نشاهد كيف قتل الأوروبيون الهنود الحمر بالبطاطين ومرض الجدري ينهش أجسادهم ، نشاهد كيف صنعوا إسرائيل والصهاينة وكيف تضرب قنابلها على الدم الفلسطيني وكيف حدث العشاء الفلسطيني الآن الآن العشاء الأخير للحضارة الأوروبية التي ستندثر قريبا كما يرى الشاعر . أيضا يستحضر قصة امرء القيس كأنها فيديو أمامنا استلهام الأحداث التاريخية في قتل العروبة ممثلة بسيد الشعر العربي وكأن اليوم امتداد له ، الشاعر عبد الكريم السبعاوي أراد أن يعبر عن طموح الأمة العربية عن طموح الفقراء في الوطن العربي عن طموح المحاصرين في الأمة العربية عن طموح كل أفراد الشعب الفلسطيني لأنه باندثار هؤلاء يعود الشعب الفلسطيني إلى أرضه لم يعد هناك سببا لوجود إسرائيل . أيضا تعود المنطقة العربية آمنة مطمئنة من هؤلاء في حضارتهم المادية .
بتروح قسوات الليالي خراريف .. بقلم الأديب الفلسطيني عبد الكريم السبعاوي
نشر المقال في صحيفةراي اليوم 30/03/2020
من المخزون الشعبي للأمثال اخترت ما يناسب زمن الكورونا ، أملاً في التسرية عنكم . ولا شك أن شعبنا العظيم الذي مرت به المحن و الكوارث والحروب كان يبتدع لكل مقام مقالا، بغض النظر عن نسبة الحكمة في ما اخترته لكم و عن نسبة الطيش
واليكم غيضاً من فيض هذا الارث:
أنظف من الصيني بعد غسيله (المقصود طبق الخزف )
البعد عن الناس غنيمة
ابعد تحلى
ابعد عن الناس احسنلك و خيرالك .. ينصان عرضك و يتوفر عليك مالك
ابعد عن الشر و غنيله
من طلع من داره إنقل مقداره
الحجر في مطرحو قنطار و إذا اتحرك ربع أوقية
يا قاعدين يكفيكم شر الجايين
الله يسعدهم و يبعدهم
حبيبتي رأتني و رأيتها .. و ايش بدي في خرق بيتها
محبوبتي يا رشا ازاي عشق الدار .. يبقى النظر في النظر و القلب يشعل نار
الله يكفينا شر بني آدم
عندي عيش و عندك عيش .. و كتر الزيارة ليش ؟
البغض في الأهل و الحسد في الجيران ..
السلام بجر كلام والكلام بجر بطيخ
بلا خالي بلا عمي .. سلامات يا راسي
داري على شمعتك تقيد
إلي بيوجع راسك ما بيوجع راس أخوك
يوم النيا ما في حيا
اردب ( الاردب مكيال ) ماهو لك ما تحضر كيله بتتغبر دقنك و تتعب بشيله
إذا ربطت أبوك .. مكنه ( شدد وثاقه )
لا تخش في عب حدا و ما تخلي حدا يخش في عبك
مطرح ما تأمن خاف
الرحمة تخصص و البلا عام
بني آدم أسود راس
مش كل من دق طبلو ترقص على حبلو
الايد البطالة نجسة
يا رب نفسي ما عليه بغيرها
إن بديتك عن دقني إعتبني
سكتنا له عدا بخرجه و حماره
الرجل (مفرد أرجل ) المخربشة بتطلع الرجل المنقشة
إلعب وحدك بتجي راضي
دار بلا جار بتسوى ألف دينار
الكوز الداير لابد له من وقعة
اهمد .. اهمد .. رايح جاي زي بيضات المغربل .. خايلتنا
مش كل مرة بتسلم الجره
الطاقة إلي بجيك منها الريح سدها و استريح
لا عين تشوف و لا قلب يحزن
عود كلب و لا تعود بني آدم
كيف حالك يا جاري .. إنت في حالك و أنا في حالي
ما بجيك من الناس غير وجع الراس
الوحدة عبادة
هذا بعض ما وعته الذاكرة من الأمثال .. اكتبها كما سمعتها دون تمحيص او غربلة .. فيها الغث و فيها السمين .. و عسى أن يكشف الله الغمة و يرأف بالأمة