نبذة عن الشاعر

الـسـبـعـاوي.. نـاطـور الذاكرة الفلسطينية

( رباعية أرض كنعان ( مائتي عـام مـن النزال

اعدت هذه النبذة عن حياة و أعمال السبعـاوي

بمناسبة إقـرار تدريس رباعيته أرض كـنـعـان

باجزائها الأربعة ضمن المنهج الدراسي لطلبة

. جامعة الأزهر بغزة

ولــد عـبـد الــكــريــم الـسـبـعـاوي فــي 1942 فــي حــارة التفاح بمدينة غزة , لأســــرة فقيرة لكنها حفية بالعلم و الثقافة

. والــده الشيخ حسين السبعاوي شيخ كتاب غير تقليدي.. مثقف ثقافة واسعة.. ملم بعلوم الدين.. متأثر بأفكار عصر التنوير

جمع في مكتبته إلى جانب الكتب الدينية كتب الأدب العربية .. دواوين كبار الشعراء القدامي والمعاصرين

. ( في رواية رابع المستحيل تصوير أخاذ لشخصية مولانا الفذة )

. كــذلك حفلت مكتبته بـالـسـيــر الشعبية ( تغربية بني هلال.. الزير سالم..عنترة ابن شداد .. الظاهر بيبرس .. وغـيـر ذلك )

. نهل السبعاوي من كل هذه الينابيع.. وقد ظهر اثر ذلك كله في أعماله المختلفة التي تميزت بالأصالة و المعاصرة

. عمل السبعاوي في غزة مدرسا حكوميا ثم محررا في جريدة أخبار فلسطين

في عام 1966 التحق السبعاوي بجيش التحرير الفلسطيني ولكن حرب 1967 عاجلت ذلك الجيش وحالت دون استكمال تدريبه وتسليحه

قدر للسبعاوي أن يرى مدينته غزة تسقط تحت جنازير دبابات الاحتلال الصهيوني للمرة الثانية ( المرة الأول عام 1956 ) و قدر له أن يعرف الطريق إلى المنفى .. و أن يصبح جزأ من الشتات الفلسطيني الكبير

قضى السبعاوي في إحدى مخيمات النازحين بعمان عاما كاملا قبل أن يتوجه الي السعودية.. حيث عمل في وظائف صغيرة لإعالة أسرته الكبيرة (أب وأم وخمسة أخوة و زوجة و أطفال.

في عام 1974 انتقل السبعاوي للعمل الحر و قد منحه ذلك فرصة زيارة معظم أنحاء العالم إلى أن استقر عام 1981 في مدينة ملبورن الأسترالية هو و زوجته و سبعة أطفال ( كتب السبعاوي عن ذلك في روايته التى تضمنت ما يشبه السيرة الذاتية رواية ” البحث عن الترياق في بلاد واق الواق)

. في سن الأربعين انعطف السبعاوي إلى كتابة الرواية.. بدء بالعنقاء اول رباعية ارض كنعان

فازت الرواية بجائزة جبران العالمية.. و تبنت وزارة الثقافة في أستراليا ترجمتها إلى الانجليزية ونشرتها دار بيبرز للنشر في ملبورن

. بعدها توالى نشر أعماله باللغتين العربية والانجليزية

. في الستين من عمره انجز رواية رابع المستحيل الجزء الأخير من الرباعية

. أي أن كل جزء منها استغرقت كتابته خمس سنوات ( تغطي هذه الملحمة مائتي عام من تاريخ فلسطين )

عاد السبعاوي الي أرض الوطن مع قيام السلطة الوطنية .. حيث أنشأ منتجع النورس على أرض تملكها عائلته شمال غزة.. يضم المنتجع مسرحا اوبراليا يتسع لسبعمئة متفرج.. وقاعة مؤتمرات وقاعة موسيقى ومسبحا اولمبيا.. و دارا للنشر تفردت بنشر أعماله في مجال الشعر والرواية.. و صرح ان الهدف من مشروعه الخاص هذا .. أن يكون صمود شعبنا على أرضه ضمن ظروف أكثر إنسانية

سئل السبعاوي في مؤتمر الرواية الذي عقد في القدس عام 2000 لماذا أبطأ في الكتابة كل هذا الوقت وأجاب( بل تعجلت.. أن الالتزام بالأمانة التاريخية يقتضي الرجوع إلى عشرات المراجع التي تتناول عصر كل رواية.. و التأكد من كل التفاصيل التي أحاطات بسلوك أبطالها التاريخين .. فلا يصح أن ننطق احدهم في الرواية أو نجعله يتصرف بما يناقض شخصيته الحقيقية وطريقة تفكيره والدور الذي قام به

وسئل في نفس المؤتمر إذا كان الخيال اكثر من الواقع في رباعيته فأجاب( لم اكن بحاجة إلى التخيل.. كان واقع الأمة اكثر مأساوية ورعبا من كل ما يمكن تخيله

 

 

ثقافة الكاتب-0١-0١

ينتمي السبعاوي في نشأته الثقافية إلى مرحلة المد القومي التي سبقت قيام التنظيمات و الفصائل الفلسطينية كانت الجماهير الـعـربـيـة تصحو مـــــن الفاجعة المروعة التي تركها زلزال النكبة على طبول الثورات فـــــــي مصر والشمال الفريقي ودول المشرق ثورات الستقلل التي أعلنت تحرير فلسطين كهدف ل رجوع عنه تبلورت الوطنية الفلسطينية إلــى درجة الرومانسية أمــا عند السبعاوي فصارت نرجسيه إلى درجة الهوس صــــار السبعاوي مسكونا بقضية وطنه إلي درجة الستلب واكب المد القومي فـــــي ذلك الوقت نهضة ثقافيه عـارمة ازدهــرت فيها ترجمة الداب العالمية إلــى العربية مما أتــاح للسبعاوي قراءة كل أعمال أبـــــــاء الرواية الغربين ( هوغو ..ديكنز .. تولستوي.. شولوخوف.. جوركي..) وكــــل ما أنتجته المطابع وصول للروائيا الكثر حـــــداثــــة ( همـنـجـوي.. كزنتازكي.. و ارسكين كالدول.. اشتاينبك.. وبعدهم الوجوديون سارتر.. ســيــمـون دو بفوار..البير كامو.. البرتو مورافيا.. وغيرهم ) فــــي عام 1960 عمل السبعاوي مدرسا حكوميا فـــي غزة ثم محررا في جريدة أخبار فلسطين التي كانت منارة للفكر القومي التقدمي ..و ملتقى الشعراء والمثقفين كــــــــــــان رئيس تــحــريــرهــا المفكر الفلسطيني زهير الريس أحــــد رواد ذلك الجيل وفـــيــهــا التقي السبعاوي بصديقه الشاعر المناضل ناهض الريس و الشاعر الكبير يوسف الخطيب و بالكاتب محمد أل رضوان و الشاعر معين بسيسو والروائي غسان كنفاني وكثيرون غيرهم وهناك تشكلت ملكات السبعاوي الفكرية وقدراته البداعية.. وعــلــى صفحات أخبار فلسطين نــشـر بواكير أعماله فـي الشعر والقصة القصيرة قبل أن يقتلعه الحتلل و يلقي به إلى المجهول

 

دوافعه إلى الكتابة-0١

بعد حرب 1967 اصبح السبعاوي جزء من الشتات الفلسطيني حيث اكتشف أن الجيال التي ولدت خارج الوطن اقـــل معرفة ودراية بتاريخ و جغرافية فلسطين رغم حماسهم و تعطشهم لذلك وخشي عليهم من ( اختلف الليل والنهار الذي ينسى كــمـا يقول احمد شوقي) أراد السبعاوي أن يعطيهم من خلل روايته جذورا قوية تحملهم وتؤكد انتماءهم وخاصة أن مــا كتب فــي مجال الرواية فلسطينيا و عربيا تناول في مجمله مرحلة ما بعد النكبة ..كأن فلسطين لم تكن موجودة قبل هذا التاريخ و كأن شعبها العظيم الذي تفرد بشرف الرباط إلى يوم القيامة لم يكن موجدا أيضأ ولعل هذا ما يفسر حرص السبعاوي على رصد تفاصيل الحياة اليومية فــــي مدن وريف فلسطين .. تصويره الدقيق للفلحين والعمال ..الحرفيون المهره و العمال العاديون .. العادات والتقاليد .. الفراح و التراح.. ألوان الطعام ..طرز الثياب.. كــل مـا يمكن إدراجه ضــمــن الـتـراث أو الـفـلـكـلـور الفلسطيني بــقــي أن نسأل هـل أبناء فلسطين في الشتات هم فقط الذين يحتاجون إلــــى رباعية ارض كنعان!!؟؟ ..فسلطني الداخل الــن اكثر حاجة لــهــا .. الجرافات السرائيلة تواصل اجتثاث البيوت وأشجار الزيتون والكروم ومعالم التاريخ الغزاه الصهاينة يغيرون أسماء المدن والشوارع والحقول.. يقتلعون المواطن من ارضه و يحشرونه في الكانتونات والمعازل تحت سمع وبصر العالم الغزاة الصهاينه يستهدفون الذاكرة الفلسطينية كما يستهدفون الـــرض رباعية السبعاوي تسير بـحـركـــة معاكسة لحركة البلدوزر السرائيلي.. كــل ما يريد الغزاة اقتلعه وطمسه يعيد السبعاوي تثبيته على صفحات رباعيته وكأنما اختار لنفسه وظيفة الناطور ( ناطور الذاكرة الجماعية للمة )

 

اهم سمات الرواية

رغم إعجاب السبعاوي بالرواية الغربية ومتابعته لطوارها المختلفة إل انه في كتابته لم يتأثر بالتقنية الغربية قرأها بمقدار ما تأثر بالملحم والسير الشعبية ألتي قرأها في صباه المبكر.. حيث تتناغم القصيدة و الغنية و الموال مع الخط الدرامي في الملحمة صعودا ونزول كما تتناغم الحان السيمفونية


لقد أعاد السبعاوي للسرد اعتباره في كتابة الرواية .. قربه من لغة السينما.. العبارات المختصرة الموحية …و الحوارات المضيئة و الغاني والشعار وهذا الكم الهائل من المثال الشعبية التي تتماشى مع النص ول تقحم عليه


.إمتاع القارئ إلى درجة القهقة و السترخاء.. ثم النقضاض عليه بالطعنة النافذة من حيث ل يتوقع انه السرد المفعم بالحيوية اللفحة التي تجبر القارئ على التفكير و التأمل بعيدا عن الخطابة و الفجاجه و التقرير و السطحية


ولن شر البلية ما يضحك .. تأبى روح السبعاوي المرحة المشاكسة إل أن تستل من القارئ الضحك .. حتى قي اكثر المواقف سوداوية وبؤسا


ولن النفس البشرية واحدة في كل أصقاع الرض لها نفس النوازع و المثل و التطلعات.. فان العمل الفني بمقدار ما يكون خصوصيا ..يكون شموليا أيضا.. ويحقق عالميته..ولعل هذه أقوى السمات الهامة في رباعية أرض كنعان


لقد سد السبعاوي ثغرة كبيرة.. في المكتبة الفلسطينية و العربية .. وإذا كان النقاد يقولون” إن الفلح الروسي لم يكن موجودا قبل تولستوي فانه يحق لنا القول.. (ان مائتي عام من تاريخ فلسطين لم تكن موجودة في الدب قبل رباعية السبعاوي


وإذا كان الفن العظيم محاولة دائمه للمساك بالزمن فان السبعاوي نجح في المساك بالزمن الفلسطيني قبل أن نبتلي بالغزوة الصهيونية و تثبيته.. ذلك الزمن الذي يحن اليه شعبنا ويراه جميل رائعا.. برغم كل  مأساويته

 

د. محمد البوجي

جامعة الازهر.. غزة

 

1234   ا لصفحة رقم

 

Leave a Reply

Fill in your details below or click an icon to log in:

WordPress.com Logo

You are commenting using your WordPress.com account. Log Out /  Change )

Facebook photo

You are commenting using your Facebook account. Log Out /  Change )

Connecting to %s

%d bloggers like this: