الغول
سحب الجنرال اللنبي زجاجة من درج مكتبه وسكب قدحين .. تناول واحداً منهما وأشار إلى لورنس ليتناول الآخر .. حين أتى لورنس على قدحه .. فاجأه اللنبي :
ـ سمعت أن خطابي عند دخولنا القدس لم يعجبك؟
ـ كان خطابك رائعاً يا سيدي .. ما عدا الفقرة الأخيرة.
ـ تعني قولي .. اليوم انتهت آخر حرب صليبية؟
ـ بالضبط.
هز الجنرال رأسه مستوضحاً .. فتابع لورنس :
ـ علمنا التاريخ يا سيدي .. أن الحروب الصليبية تبدأ بدخولنا القدس .. ولا تنتهي إلا بخروجنا منها.
وخزه الجنرال بنظرة قاسية .. اقشعر لها بدنه.
أعاد الجنرال ملء القدحين وتابع مؤنباً :
ـ لشدما تبدو محبطاً ومخيباً للآمال يالورنس .. إشرب.
تناول لورنس قدحه ثقلت أجفان الجنرال ولكنه استمر في المحاورة :
ـ هل ينطبق ذلك على اليهود يا كولونيل؟
ـ اليهود دخلوها غزاة فاتحين قبل ثلاثة آلاف سنة كما دخلناها اليوم .. ثم خرجوا منها كما سنخرج
ـ لكن صديقك وايزمان يدعي أنهم ….
قاطعه لورنس :
ـ حكموها ستين سنة .. مائة .. أي حق تعطيهم المائة في بلد عمرها خمسة آلاف سنة من التاريخ المكتوب؟
ـ ألست واحدا من كبار المتحمسين لعودة اليهود إلى فلسطين؟
ـ أنا متحمس لكل ما فيه مصلحة بريطانيا يا سيدي .. قد أغير ثيابي .. ولساني .. وعاداتي .. ولكنني لا أغير ولائي .. قد يظن بعضهم أنني أخدم سيدين أحياناً .. ولكن ثق يا سيدي أنني دائماً وأبداً أمحض الولاء كله لوطني.
خلع الجنرال طاقيته العسكرية عن رأسه .. وضعها على الطاولة أمامه .. كان النعاس قد بدأ يعقد أجفانه .. تأمل لورنس شعره الأشيب .. ووجهه الذي بدا مرهقاً مغضناً .. خيل إليه أن الجنرال طعن في السن بغتة .. قال في سره : ذئب عجوز متفرد .. ولكنه ما زال شرساً .. سريع الإنقضاض.
نهض الجنرال واتجه إلى سريره في ركن المكتب :
ـ ليلة طيبة يا كولونيل.
فهم لورنس الإشارة .. أدى التحية وانصرف.
تعنى الغول بالاحداث التي مهدت لاندلاع الحرب العالمية الاولى .. واعلان الثورة العربية الكبرى بقيادة شريف مكة وأبناءه .
غزة لم تستجب لاعلان الثورة رغم كل مظالم الاتراك .. التحم ابناؤها مع العدو في معركة دموية دفاعا عن تراب ارضهم .. على مشارف غزة سقط ستة الأف بريطاني في هجمات مستميتة .. حتى قال اللنبي لضباطه ( انا لا اقود حربا ايها السادة .. انني أدير مسلخا قذرا .. ان الذين يواجهوننا ليسو أتراكا أو المانا.. انهم فلاحو سوريا الاشداء .. )
ترصد رواية الغول الأطماع التي كان يضمرها الحلفاء و الصهاينة في اقتسام تركة الرجل المريض .. وكيف سقط العرب فريسة للخداع في لعبة الأمم تلك.. و بصنائع مثل لورنس .. الذي كان همه فصم عرى الاخوة بين العرب والاتراك .. ارتكب من المجازر مايقشعر له الابدان .. حتى أن مولود مخلص أحد قادة جيش فيصل قال له بعد مذبحة الاسرى
انت مو ادمي .. انت غول يشع .. لعنة وحلت علينا
تنتهي الرواية بسقوط القدس في يد الانجليز وسقوط دمشق في يد جيش الشريف
و الحوار الذي دار بين اللنبي ولورنس .. يقول اللنبي
سمعت ان خطابي في القدس لم يعجبك
كان رائعا يا سيدي باستثناء الفقرة الأخيرة
تعني قولي اليوم انتهت أخر حرب صلبية
نعم يا سيدي .. فقد علمنا التاريخ ان الحروب الصلبية تبدأ بدخولنا القدس .. ولا تنتهي إلا بخروجنا منها
هل هذا ينطبق على أصدقائك اليهود
اليهود قبل ثلاثة الاف سنة دخلوها محتلين كما دخلناها الان وخرجوا منها بعد ان حكموها سبعين سنة
اي حق تعطيه لهم سبعين سنة في مدينة يتجاوز عمرها خمسة الاف سنة.
بمثل هذه الحوارات المضيئة ..يلامس السبعاوي روح الحقيقة.. و يؤكد للقارئ تلك الخصوصية الرائعة لهذا الشعب الذي احترف طرد الغزاة