الخل الوفي
قال رفاعة الطهطاوي :
ـ إن إنهاض الأمة الإسلامية من كبوتها .. وإمدادها بعناصر القوة والغلبة لتصد لكيد أعدائها .. والطامعين فيها .. هي أوجب واجبات السلطان .. فإذا تهاون في ذلك .. أو ظهرت عليه علامات الخنوع والعجز .. سقطت بيعته من الأعناق واستوجب أن يلي الأمر من هو خير منه .. وإن جوهر الأمة الإسلامية ومعدنها الأصلي هو أمة العرب .. التي طابت أرومة .. وزكت جرثومة .. وعلى كل من يريد بالإسلام والمسلمين خيراً أن يبدأ بالعرب .. (ألا إن في هذا الجسد مضغةٌ إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله وهو القلب) .. وأمة العرب هي القلب من الإسلام والمسلمين .
ضحك سليم بك وقال لإبراهيم باشا :
ـ هل عرفت إلى أي مدى يتوجب أن تصل جيوشك؟
أجاب إبراهيم و على فمه إبتسامةٌ عريضة:
ـ إلى المدى الذي يتكلم الناس فيه بالعربية.
قطب سليمان الفرنساوي وقال :
ـ أرجو أن تسمح لكم أوروبا بذلك.
بوغتوا بتدخله .. سأله إبراهيم أن يفسر كلامه .. فتابع :
ـ هذه المنطقة من العالم أعني بلاد العرب أو بلاد الإسلام .. كانت وحدها مصدر الخطر على أوروبا عبر التاريخ .. من هذه المنطقة جاء هنيبال حاصر بأفياله روما .. ومنها تدفق المسلمون ليحتلوا أسبانيا خمسمائة سنة .. وليحتلوا القسطنطينية ويصلوا إلى فينا في وسط القارة ..
تابع الشيخ رفاعة متجاهلاً ما سمعه من سليمان الفرنساوي :
ـ وحَّدنا مصر والجزيرة العربية .. والآن جاء دور سوريا .. فإذا استقرت الدولة العربية الوليدة فسرعان ما يلحق بها العراق والأشقاء في المغرب .. ثم ينحاز إليها باقي المسلمين .. عندها يتحقق الحلم الكبير ويصبح للإسلام دولة قوية مهابة عزيزة الجانب .. تتحدث بلغة القرآن .. وتحكم و تدار من المركز والصدارة .. وليس من طرف من أطرافها البعيدة كما هو الحال بالنسبة للآستانة.
قاطعه سليمان الفرنساوي :
لا .. لا .. لن تسمح أوروبا لهذه الكوابيس أن تستيقظ من جديد .. إن قيام دولةٍ قوية في هذا الجزء من العالم .. هو من المحرمات .. تابو.
انفتح الباب المؤدي إلى القاعة ودخل أمير لاي موتوش باشا يتبعه آرتين بك الترجمان .. همس في أذن إبراهيم باشا فأشار إلى قائد فرسان الهنادي وعبدالوهاب أن يتبعاه .. أديا التحية أمام القائد الأعلى الدستور الوقور محمد علي .. باشا مصر والجزيرة العربية وكاندي وفاتح السودان وكردفان ودارفور .. قاهر الإنجليز والموره والوهابيين .. استرق عبد الوهاب النظر إليه .. كان يغطي رأسه طربوش بوسطه شرابة زرقاء متدلية إلى الخلف .. يرتدي صديرياً من الجوخ الأزرق مطرزاً بشرائط حريرية .. وسروالاً عريضاً من اللون نفسه .. وخفين أحمرين بالإضافة إلى سيفٍ برباط أحمر .. ويحمل بين يديه مسبحةً من الكهرمان.
____________________________________________________________________________________
ترصد الخل الوفي قيام أول دولة عربية معاصرة حيث استطاع محمد علي و ولده إبراهيم توحيد مصر والجزيرة العربية و بلاد الشام ..وكيف هبت أوروبا لوأد هذه التجربة .
غزة في هذه الرواية كما كانت في العنقاء وكما سنراها في كافة روايات أرض كنعان .. مركز الدائرة .. و الدائرة تتسع لتشمل الدولة العالية العثمانية كلها .. و تضيق أحيانا لتركز على أزقة حارة التفاح و ما يجري فيها من تفاصيل الحياة اليومية .
جزء مهم من الرواية يدور في إسطنبول دار الخلافة و مقر الباب العالي .. ومركز صنع القرار .. في هذا الجزء يلمس القارئ بوضوح ..كيف كان السوس ينخر في عظم تلك الدولة العظيمة .. حيث يمد سليل السلاطين.. يده الي سماسرة المال اليهود.. يستجدي منهم القروض ..ويبيع وظائف الدولة لمن يدفع أكثر.. كيف يصبح بائع دخان الباني واليا على مصر ( محمد علي) وكيف يصبح هذا الوالي أمل العرب في تجديد أمجادهم.
انحازت غزة الي الحلم.. ضد الواقع المظلم .. وقدمت أبناءها قرابين لتحقيقه .. هتف أبناءها في موكب التحرير
ابراهيم باشا يا متولي
الفاتحة عا روح العثملي
ابراهيم باشا جاب النصر
وضلوعنا دروعك يا مصر
تنتهي الخل الوفي بالانتصار المدوي لمحمد علي.. وطرد الاتراك الي ما وراء جبال طوروس